سؤال: هل تشكّل صفات الله إحدى مشاكل الإنسان الفطرية فعلاً؟ ما الذي قاله القرآن الكريم في هذا الصدد؟ جواب: لا تشكّل قضية صفات الله إحدى مشاكل الإنسان بدليل أنّ المشركين أقرّوا بها، واعترفوا بالكثير منها، ويتضح ذلك في قول الله تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (المؤمنون،84-89).
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } (يونس،31). {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } (العنكبوت،61).
إنّ الآيات السابقة تشير إلى أنّ المشركين أقرّوا أنّ الله: عزيز، عليم، مالك، رب العرش العظيم، خالق السماوات والأبصار، يخرج الحي من الميّت، ويخرج الميّت من الحي، مدبّر لأمر الكون، مسخّر الشمس والقمر إلخ...، وهذا أمر طبيعي لأنّ التصوّر الفطري للإله، أنه قادر عليم، يضرّ وينفع، قوي، يسمع، ويرزق إلخ...
وربما كانت قضية الصفات في أحد وجوهها مشكلة النفس التي تتعامل معها، فإذا كانت زائغة أو مريضة اضطربت أحكامها، وقد أشارت آيات كثيرة إلى هذه النفوس، فحدّثنا الله عن النفوس التي امتلأت بالكبر ومجادلتها بالباطل في آيات الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (غافر،56).
وحدّثنا عن القلوب الزائغة إزاء المحكم والمتشابه من القرآن، وبيّن لنا أنها تتبع المتشابه منه، تبتغي الفتنة من ذلك، قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } (آل عمران،7).
وحدّثنا عن القلوب المريضة أنها ترتاب في العدد، فتراها تتساءل ماذا أراد الله بهذا مثلاً، في الوقت الذي يمكن أن يرتاب في كل شيء ما عدا الأعداد، لأنّ المقصود بالعدد محدّد واضح ولكن تضطرب الأمور وتختل عندما تكون القلوب مريضة، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } (المدثر،31).
إذن النفوس المتكبّرة والقلوب الزائغة المريضة تشكل معها أشياء كثيرة: آيات الله، وصفاته، والمحكم والتشابه في القرآن، والأعداد التي يذكرها القرآن يشكل معها كل شيء، لأنها هي في إشكال، وليس بالضرورة لأنّ الموضوع الخارجي مشكل.
والصحابة -في المقابل- الذين يعتبرون الذُّرْوة في الإيمان لم تشكل عليهم الصفات، ولم ينقل عنهم أنهم سألوا عن واحدة منها، وقد زادهم ذكر أعداد الملائكة التي أشكلت على الكافرين إيماناً، وآمنوا بالمحكم والمتشابه لأنه جميعه من عند الله تعالى وأعلمهم الله بعد ذلك تأويل المتشابه.
إذن تخبّطت تلك النفوس المريضة في معالجة قضية الصفات فأخضعت ذات الله وصفاته لمناهج عقلية وفلسفات بشرية، فهل وصلت إلى قرار؟ لا لم تصل بل زادت المشكلة تعقيداً كما ذكر كبار الوالجين لهذا الباب، بل وانتهوا إلى حيرة أكثر من السابق:
قال الرازي في كتابه "أقسام الذات":
نهاية إقـدام العـقول عقـال وغاية سـعي العالمين ضلال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال أيضاً: "لقد تأمّلت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً" (شرح العقيدة الطحاوية، ص227).
وقال الشهرستاني:
لعمري لقد طُفْتُ المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أَرَ إلا واضـعاً كف نـادم على ذقـن أو قارعاً سنة نادم
(المرجع السابق نفسه،ص228).
وقد قال أبو المعالي الجويني: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنّ الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به". وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم، وخيلت أهل الإسلام علومهم ودخلت في الذي نهوني، والآن فإنّ لم يتداركني برحمته فالويل لابن الجويني، وهاأنذا أموت على عقيدة أمي أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور"